كان للأستاذ خليل وصيل سلسلة مقالات نشرت في أعدادٍ من مجلتنا الصمود الغراء بعنوان « جهاد شعب مسلم»، فهذه الحلقة
من ذكرياتي عنوانها نفس عنوان مقالات الأستاذ وإن أردت قل، هي صلة لها، وتعليق عليها، إذ هي مقتطفات ومشاهدات من جهاد شعب مسلم أقامته المظالم والاعتداءات، ليصرخ في وجه العدو الأمريكي الواغل الذي لم يرقب فيهم إلّا ولا ذمة، وليس حرب شرذمة قليلة تمولت، وغُذيت، من جهات شرقية أو غربية لإثارة الفوضى والبلبلة في البلاد -كما يروج الإعلام الأفغاني المزوّر صباحا ومساءً.
فما أحد من الأحرار الأفغان إلا وقد أسهم في هذا الجهاد بطريق من الطرق، فأحد شارك بنفسه، وآخر شارك بماله، وثالث شارك بقلمه ولسانه، ورابع قدّم ابنه ليجاهد إنْ منعته الموانع من خوض المعارك، وآخر أعدّ زادا للمجاهد، وآخر خلف المجاهد في أهله خيرا، بالجملة هذا الجهاد سلسلة يتّصل به كل أفغاني حرّ مسلم وإن كان بعض الحلقات كبيرة وبعضها صغيرة؛ لكن هذه السلسلة النورانية المباركة تتشكل من هذه الحلقات الأفغانية.
تعالوا لأحكي لكم بعض من المواقف الرائع من هذا الشعب الفقير المجاهد التي رأيتها في مواضيع عدّة:
١- حينما عُدنا من عملية فتح محافظة فراه الكبرى وقد مشينا على الأقدام أكثر ساعات، ونال منّا التعب والإرهاق ما نال، فاستقبلنا هذا الشعب المؤمن المجاهد المحتسب في الطريق بدايةً من الشيوخ الطاعنين في السن، المرتعشي الأيدي، والمتهاوي البنية، ومرورا بالنساء والأطفال والغلمان الذين خرجوا من بيوتهم حينما وصلهم خبر إيابنا وانتظروا على كثبان القرى، وأعتاب البيوت، وكانت أوعيات المياه بأيدهم، وسفر الخبز تحت إبطهم، عادّين أنفسهم خداما للمجاهدين، مفتخرين بذلك الفضل العظيم.
لا أنسى ذلك الشيخ المشتعل رأسه شيبا، وقد كان واقفا بظل شجرة، وكان وعاء الماء بيده، والجالون بجنبه يسقي المجاهدين المارین من جنبه، فمررنا به قاصدا غرفة لم تكن تبعد عن هذا الشيخ الطاعن في السن سوى متيرات، فنادانا تعالوا يا أبنائي لأُسقيكم الماء، فقلنا له لا يا أبانا نذهب إلى غرفة فلاني، فتغير لونه، ولمحت آثار الحزن على ملامحه، وألحّ علينا قائلا اشربوا يا أبنائي من هذا الماء لأشاركم في أجر خدمة المجاهد إن ثبطني العجز والشيخوخة عن ثواب القتال المباشر. الله أكبر..
هذا الشيخ نموذج من آبائنا الذين ثبّطتهم الشيخوخة والمرض من أن يأخذوا السلاح، ويقارعوا العدو المحتل وجها لوجه.
٢- بل وقد رأينا والله من لم تكن في لحيته ولا رأسه شعرة سوداء، وقد نالت منه الشيخوخة قواه، وتركته يتحامل في المشي مع ذلك كان يشتبك مع الإخوة المجاهدين لم لا يسمحون له ليخوض غمار المعركة مع أنه قدم غير واحد من أبنائه وأبناء إخوانه شهداء.
٣- ويحلو لي أن أردف لكم قصة آخذة أخرى من شيخ مجاهد مشلول القدم – لا أدري بالضبط كان الشلل إثر الإصابة أم كان لأجل أمر آخر- وقد عصى ابن الشيخ أميره، أم استغل جاهه في الإمارة وتذرع بشيء كان من اللازم أن لايفعله ما أدّى إلى خلعه من السلاح تعذيرا، فذهبنا مع البطل زيد للتجوال وتفقد أحوال الناس كسابق عادة زيد إذ لقينا هذا الشيخ على جنب دكان، فجلسنا في حضرة الشيخ، فبسط مائدة فؤاده، وتكلم عن جهاده ضدّ الروس، وعن قصص رفاقه الشهداء، وعن لهفه للشهادة، فبكى وأجهش في البكاء حتى استغرق بكاءه أكثر من نصف ساعة فكان يحكي – ذارفا بالدمع القاني- عن الماضي ويتأسف لحاضره كيف يمكن أن ينال الشهادة وهو لا يُسمح له في الميدان، ولا يمكن له أن يفعل شيئا إن سمح له، لقد تكلم كثيرا وبكى أكثر، فمن سوء حظي لم أكن أعلم البشتونية لأطلع عن حرقاته والتياعه أكثر، مع ذلك قد أخذتني آلامه، وأعلمتني مشاعره الملتاعة بأن الشهادة أثمن مما نظنّ، وأن الحرمان من الجهاد والشهادة حرمان من أكبر النعم وألذها.
ومما بقي من كلمات الشيخ في الذاكرة هي نفس ما يقوله أباؤنا عندما يرسلون أبناءهم إلى المدارس: نحن نعمل مع لحيتنا البيضاء، وبأيدينا المرتعشة، لتدرس مرتاح البال في المدرسة دون تكدر خاطر، ولا تشوش ذهن. وكان الشيخ يقول: مع عوزنا وفقرنا وحاجتنا إلى هذا الابن وعمله تركناه ليجاهد وليخدم المجاهدين فلعله ينال الشهادة ويسعد في الدارين إن حرمنا نحن من الشهادة بهذا الشلل.
فهذه القصص وعشرات أمثالها كلها دلائل ساطعة بأن هذا الشعب مجاهد ويبقى مجاهدا كابرا عن كابر وأبا عن جد وابنا عن أب وهذا الذي ذكرته لا يخص أبناء القرى والمديريات والمناطق الخاضعة للمجاهدين بل وحتى الساكنين في مركز المحافظات يقتتلون لخدمة المجاهدين ويقدمون لهم الغالي والرخيص.
٤- يحكي إخوتنا أنهم ذهبوا لينصبوا للعدو كمينا في ضاحية من ضواحي المحافظة فلم يأت العدو بعد ما مضت ساعات فنال من إخوتنا العطش والجوع فأجمعوا ليقضوا الظهر في قرية من قرى المحافظة، فتلقوا من أهل القرية استقبالا حيّرهم، وتركهم فاغري الفاه رغم دعايات العدو ووسائله الإعلامية المشوهة الفاعلة صباحا ومساء، وقال الإخوة قد خرقت من طول المشي نعالنا وتورمت على إثرها أقدامنا، فألبسونا نعالا جديدة، مع أنهم بالغوا في الخدمة بذبح معز، وتقديم شتى الوسائل، فقال أخ: انتصب كهول من أهل القرية وخاطبنا لستم والله أجانب بل أنتم أبناءنا، وأفلاذ كبدنا بل الأجانب العملاء هؤلاء الذين يحاربونكم بجنب الأمريكان، ويقصفون البيوت الآمنة الآهلة بالسكان، والعملاء هؤلاء الذين يفحشون ويحبون أن تشيع الفاحشة في الناس.
در این وبلاگ خاطرات جهادی، سرگذشت شهدا، تحلیلات سیاسی ومقالههای جهادی دیگری که در مجله صمود و سایت دری الاماره نشر شدهاند، اینجا ذخیره و بازتاب داده میشوند. امیدوارم لحظات خوشی را با ما سپری کنید.